‫الرئيسية‬ الأخبار أوهام السياسة-1-الخطابُ القَبَليُّ
الأخبار - 19 يناير، 2020

أوهام السياسة-1-الخطابُ القَبَليُّ

أوهام السياسة-1-الخطابُ القَبَليُّ وسينتصر لبنان الإنسان! يوسف وهيب يا لها من ثقة مفتعلة، تلك التي تشكِّل مظهرنا ونحن ننطق هذه الجملة “الخطاب السياسي”!

والأدهى من ذلك أننا- وبالثقة ذاتها- نمتدح أوننتقد هذا المسمى بالخطاب السياسي!

ولتحديد الأمور أكثر لنرى إلى الجملة بعين تدرك ما يردده اللسان أوتساعده على تصحيح هذا الحوَل الذي يعتريه في أمور كثيرة، من بينها بطبيعة الحال ما نسميه مجازًا بالشأن السياسي، وخاصة الخطاب السياسي وأعني به الخطاب الداخلي، أما خطاب السياسة الخارجية فله مجال آخر للتناول.

ولنأخذ الكلمتين محور الجملة “الخطاب” و”السياسي” بالتوضيح؛ فالخطاب في أولى تعريفاته أن هناك من يتحدث، ومن خلال حديثه هذا يصدّر رسالة ما، وإلا فما جدوى الحديث؟! وبالتالي لا بد من وجود متلقي لهذه الرسالة؛ هو أنا وأنت وغيرنا بالطبع، وفي شأن الخطاب الداخلي أي المختص بالأمور الداخلية للبلاد لا يكون الأمر مجرد كلام سياسي أو شعارات برّاقة؛ بل من البديهيات، أنه خطاب ينبني على السؤال في كل ماهو هموم اجتماعية واقتصادية وإنسانية، والذي لا يكون ملمًا بهذه الأمور؛ من الأوْلَى له ألا يقحم نفسه في هذا المجال، وأرض الله واسعة للعمل أوللظهور الاجتماعي.

أوهام السياسة-1-الخطابُ القَبَليُّأما وأن يستحق مثل هذا الخطاب أن تضاف إليه كلمة أوتوصيف “السياسي” فهذا هو المحك الرئيس، فبإمكانك أن تكون خطيبًا بارعًا، ولديك الكثير من اللباقة، ولكن كل ما تقوله لا يشكّل خطابًا سياسيًا بالمعنى الفاعل، ولا حتى اجتماعيًا بالمعنى الضيق، أي في نطاق الدائرة الصغيرة الموجه إليها هذا الخطاب، إلا أن مفردة “سياسي” حين تضاف إلى كلمة خطاب، فإن الناتج لابد وأن يكون أوسع وأشمل من تلك الدائرة الضيقة، الأسرة، رفاق الدرس، شلة النادي أوالمقهى، أو حتى ذلك الجمهور الذي أغلبه لا يقرأ، وأقصد جمهور “اللايكات”في مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. ولعلك رأيت كثيرًا؛ أن مقالاً أو بحثًا يستهلك من وقتك كقراءة استكشافية أولى ما لا يقل عن العشر دقائق مثلاً، ما أن تنشره على صفحتك بموقع فيسبوك، يسارع كثيرون– رغم أنه لم تمر دقيقة واحدة على النشر- بـ”لطع” هذه اللايك أو علامة الإعجاب، ربما كان هذا بمثابة اعتيادٍ آليٍّ ما، أو مجاملة لك، أو من أشّر لك بهذه العلامة من هواة التوقيع في دفاتر الحضور ولا يذهب للعمل! أي ليس مهمًا لديه أن يعطي القراءة حقها، ليكون محقًا فيما بعد لو أشّر بهذه “اللايك” او تلك “الأنلايك” أي عدم الإعجاب أو حتى الغضب، وينسحب هذا بطبيعة الحال على ما تنشره من فيديوهات، لا يفتحها أحد إما خوفًا على الباقة أو من باب إراحة الدماغ، لا يحرمك أيضًا من التأشير بالإعجاب أو عدمه، وكل هذا مقدور عليه ومفهوم إلى حد ما مع أنني لا أوافق مثل هذه سلوكيات، غير أن الأخطر هم هؤلاء الذين لا يكتفون بالتأشير سلبًا او إيجابًا، بل يبنون تعليقاتهم التي يتلبسها يقينٌ عجيبٌ على مجرد عنوان المقال أو البحث أو الفيديو، وهم لم يقرأوا أو يشاهدوا شيئًا، ويتناسى كثيرون أن هذا العنوان قد يكون في غالب الأحوال لا علاقة له بالمادة المنشورة أو الفيديو، بل ربما كان من باب الترويج والتسويق فقط لحصد أكبر كمٍّ من هذه اللايكات الوهمية او نسب المشاهدة!

وأراك تتساءل: وما دخل هذا بالخطاب السياسي؟!

قلت هذا من باب التسرع الذي يمارسه الكثيرون منّا في تكوين أفكارهم بل وبناء آرائهم على مالم يختبروه بأعينهم وعقولهم، وفي هذا الخطل الكبير بطبعة الحال ما يؤسس لخطر أكبر، هو توهُّم تَبنِّي آراء على أرضية واهية من عينة “قيل أن- أو قالوا” وبالتالي الترويج بقصد أو بدون، لأمور قد تكون ضد أفكارك أنت ذاتها، والأخطر أن تكون ضد بلدك ووطنك.

ما أردت قوله، هو هذه “القبَليّة” ولا يقصد بها القبيلة بمعناها الصحي المترابط، بل نسبة إلى تلك القَبِيلة المتوهمة وهي بمفردات العصر الحديث “الألتراس” أوقطعان الحشود التي تزيد او تقل تبعًا لنجومية أو شهرة صاحب البوست أوالمقال أو الفيديو- في أي مجال من مجالات الحياة- الذي ينال مئات الآلاف من اللايكات والشير أي المشاركة والتعليقات المتسرعة أو المجاملة دون وعي بما هو منشور. ولعلك رأيت كم من صنم تم تصنيعه عبر هذه الميديا بتلك الوسائل سواء المشروع منها، أو ذلك المصطنع بشراء “الفولورز” أي التابعين.

باختصار أوردت هذا المثال للتأكيد على أن الصنم الثقافي أو الفني أو السياسي، هو وهم مصطنع بامتياز، وما نتوهمه من نجومية له، لا تكون حقيقية في كل الأوقات، فصانعها الأول هو هذه الحشود اللاواعية “قطعان اللايكات عمياني” وبالتالي تؤسس لقبلية ما، لا تقبل كل من يقول رأيًا مخالفًا في صنم هذه القبيلة أو تلك، وبالتأكيد هنا حكم بالموت على أي خطاب سياسي فاعل.

نأتي إلى الواقع العملي بعيدًا عما اصطلحنا عليه أنه كان واقعًا افتراضيًّا، وهو ما تمثله مواقع التواصل الاجتماعي وما تبثه الشبكة العنكبوتية “الانترنت”رغم أنه أصبح واقعًا حقيقيًّا، وليس من سبيل لإنكار لمدى واقعية هذه الأدوات المتمثلة في ترسانة الميديا وأسلحتها المتنوعة.

أوهام السياسة-1-الخطابُ القَبَليُّ ومن يرى بتدقيق مجريات الأمور في أنظمة الحكم التي تتوالى في كثير من البلدان التي يصرون على جمعها في سلة واحدة تحت مسمى “العربية”، سيرى بأم عينيه كيف أن ما لدينا من خطابات هي خطابات قَبَلِيَّة لا تعرف السياسة بمعناها الحقيقي، أو كما نرى تمثلاتها في كثير من دول الغرب، وإن كانت بنسبة ما في هذه الدولة أو بأخرى في غيرها. فالخطاب الذي يصدره الحاكم في منطقتنا المسماة بالعربية، ليس من اهتماماته الأولى مخاطبة الشعب ككيان واحد، بل هو خطاب قبلي، إما أنه يهتم بقبيلة الحكم، وهذا في الأنظمة الجمهورية، أو بقبيلة الحاكم في الأنظمة الأميرية أوالملكية، والخطاب هنا لا يتوقف تعريفه عند حد الكلام الذي ينطق به هذا الحاكم أو ذاك المسئول، بل هو السلوكيات والتصرفات والتطبيق الفعلي للكلام على أرض الواقع، ولأنه كما يقولون “الناس على دين ملوكها” فإن كثير مما نسميه مجازًا بالأحزاب، ماهي إلا تجمعات عائلية أو قبليّة، فالحزب غالبًا ما يكون رئيسه ونوابه والفاعلين فيه من أسرة واحدة، أو ينتمون لشلة مصالح واحدة، فلا يوجد داخل هذه التجمعات مساحة ما للاختلاف، بل هو الأمر هكذا كما يريد زعيم القبيلة او الحزب.

وبالتالي أنا لست مع من يهاجمون ما يسمى بالأحزاب في بلادنا، فهي على كثرتها مسميات بلا أي وجود حقيقي، وبالتالي لا فاعلية أو أي إنجاز يُذْكرُ. ولعل لهذا أسبابه وجذوره الاجتماعية والسياسية أيضًا.

والرائي لما يدور في هذا المسرح الذي نسميه مجازًا بالحياة السياسية في بلادنا المحروسة مصر، بل وفي جُلَّ الاقطاعيات التي تسمى بالبلاد العربية؛ يجد دون أدنى جهد أن الأمر لا يعدو مسرحيات إقليمية باهتة وممثلون من الدرجة العاشرة ولا يوجد نص ولا مُخرج من الأصل. أسمعك تقول إنها الفوضى إذن! نعم لقد أصبت فيما فكرت به، وأضف إليها إن لم يكن هذا هو الأساس “الجهل والتجهيل”وهذا ما يريده أصحاب السلطة في كل زمان وفي بعض الأماكن وخاصة هذه البلاد.

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

همسات الأبيض والأسود في لوحات فاطمة حسن بقاعة دروب

  لا ضوء بغير قتَامةٍ، ولا قتامة إلا ومسكونةٌ بضوء ما، أو ما قال به هيراقليطس الفيلسوف الي…