‫الرئيسية‬ الأخبار حوادث وقضايا محمود صلاح.. الحرّيف العاشق
حوادث وقضايا - فن وثقافة - 23 ديسمبر، 2019

محمود صلاح.. الحرّيف العاشق

محمود صلاح والزعيم

محمود صلاح.. الحرّيف العاشق من أجلك يا أستاذ محمود- وللمرة الأولى- خرجت عن طوع أبي واشتريت له جريدة أخبار اليوم بدلاً عن الأهرام التي كان يدمن قراءتها، وللمرة الأولى أكمل قراءة قصة في جريدة، ولم لا؟! فهي مكتوبة برشاقة وسلاسة وقريبة من فهم طالب في الصف الأول الثانوي، أتذكر أن ما شدني أيضًا، توقيعك الغامض تحت القصة باسم “محمود.. ” ورسومات الفنان سيد عبد الفتاح التي صاحبت قصصك كثيرًا، ومعك تعلقت والكثيرون بقراءة صفحة الحوادث والقضايا التي أشرفت عليها فترة طويلة في جريدة أخبار اليوم، حتى صار كل سبت هو ساعة المزاج العالي بالنسبة لي حين تصافحني قصة الحادثة والجريمة أوالقصة الإنسانية و القضايا ذات البعد الإنساني.

محمود صلاح.. الحرّيف العاشق ومن لم يتعرف إليك يا أستاذ محمود فاته الكثير، سواءً على المستوى الإنساني أو المهني في صحافة الحوادث، ولا أنسى ما حييت أنك أحد الكبار الذين ساندوني قدر استطاعتهم في مهنة الأشغال الشاقة هذه والتي لا تمنح الإنسان قدر ما تأخذ من صحته ووقته وماله أيضًا، لعلك تتذكر يا أستاذ محمود كيف احتفيت بالتحقيق الذي كلفتني به وأنت في “آخر ساعة” عن طبيب التحاليل الذي نصب نفسه محتسبًا وطالب بإعدام رواية وليمة لأعشاب البحر وكاتبها الأديب السوري حيدر حيدر، وبسبب ديماجوجية المحتسب ولعبه على الوتر الديني؛ تم إغلاق جريدة الشعب، ولا أزال أتذكر جملتك لي: “سيبنا من الحوارات التي أجريتها مع هذا الشخص وبحثك وتدقيقك مع معظم الذين حوله أو ممن عاصروه في شبابه أو حين كان شيوعيًا، ثم التحق بسبوبة الإرتزاق بالإثارة الدينية، كل هذا جميل، لكن أجمل ما فعلته هو” الورقات الأربعة دول” هوامش الحوارات والموضوعات أهم بكثير من الموضوعات ذاتها”. وكان هذا درسًا لي في عالم الصحافة والتحري والاستقصاء، وتصوير الأماكن بالكلمة طالما ليس هناك كاميرا فيديو ترصد كل ذلك.

محمود صلاح، درس في الصحافة والمهنية وإجادة اللعب في مربع صغير، حتى لو كان هذا المربع هو صفحة حوادث، وهو الذي جعل من محرر الحوادث نجمًا، وليس مجرد محرر درجة ثالثة كما كانوا ينظرون له قبل صلاح، بل هو المحرر ، والمحرر الموهوب المتمكن فقط الذي بيده أن يرفع توزيع أي جريدة أو يخفضه.

محمود صلاح حين وصل لدرجة مدير تحرير، وبعدها رئيس تحرير وقبل كل ذلك رئيس قسم ومساعد رئيس تحرير، إلا أنه ظل محررًا بامتياز، يقرأ مادة جريدته ويراجعها حرفًا حرفًا، والأهم أنه لم يتكبر على المحرر الميداني الاستقصائي الذي يعشقه منذ البداية، بل وهو رئيس للتحرير كان ينزل للشارع يقوم بمغامرات صحفية، ولعل أشهرها ذلك التحقيق الذي تقمص فيه محمود صلاح شخصية ضابط مرور برتبة عميد وكان يسير على قدميه في شارع رمسيس وشارعي الجلاء والجمهورية وهو يرتدي الزي الشرطي كما يجب أن يكون، ولأن لكل تحقيق صحفي هدف؛ فقد كان في تلك الآونة مباح لأي شخص أن يشتري زي الشرطة ويرتكب من خلاله الكثير من الجرائم، وكان نتاج هذا التحقيق أن الحكومة منعت تمامًا بيع الزي الشرطي في المحلات كما كان من قبل. هذا ما كان، أما الآن فالمحرر الصغير يتكاسل في النزول إلى موقع حادثة، ويستسهل النقل من مواقع الانترنت، لعلك عرفت، وأنت تعرف يا أستاذ كيف ولماذا انحدر كل شيء إلى الأسوأ؟!

أستاذ محمود؛ السلام أمانة لأرواح أحبائنا؛ الفاجومي أحمد فؤاد نجم، ومبدع الخط العربي حامد العويضي، وفنان المسرح محسن حلمي والقاص النوبي الجميل إبراهيم فهمي، ولا تنسى مشاكسة الحبيب سعيد عبيد كما اعتدتما دومًا، لعلك تتذكر الآن كيف فاجأك عبيد حين جئته وقلت له : يا واد يا سعيد أنا اكتشفت حاجة مهمة، فرد عليك: طالما اكتشاف يبقى لازم تقوله لنا يا أينشتين! ضحكتك كعادتك ونظرت للبعيد وقلت: الستات دول بيضحكوا علينا بحاجات عبيطة يا أخي! قهقه سعيد وصدمك بإفيه صار مثلاً بيننا سواء في الجريون أو مقهى البستان أو كافتيريا ستلا: والنبي أنت طيب يا محمود، ما احنا برضه بنضحك عليهم وما بنعملش الحاجات العبيطة دي كويس!
أثق انك لا تزال مبتسمًا، فقد لاقيت في حياتك، وخاصة ممن قدمت لهم الكثير والكثير مما هو أكثر مرارةً من الموت، ولكنك كنت تتغاضي رغم أنك تلوك مرارة ونذالة الأيام، لكن ما كان يغنيك عن كثيرين هو كل هذه المحبة التي أحاطت بك من قرائك البعيدين عن هذه المهنة، مهنة الأشغال الشاقة والنكران المقيت.

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

همسات الأبيض والأسود في لوحات فاطمة حسن بقاعة دروب

  لا ضوء بغير قتَامةٍ، ولا قتامة إلا ومسكونةٌ بضوء ما، أو ما قال به هيراقليطس الفيلسوف الي…