‫الرئيسية‬ الأخبار فن وثقافة ماندو العدل.. الكتكوت السينمائي الفصيح
فن وثقافة - منوعات - 8 سبتمبر، 2020

ماندو العدل.. الكتكوت السينمائي الفصيح

العدل البيان العاجل 1 e1606165479288

منذ صرخته الفنية الأولى في “دستور يا سيدة”، بدا لكل ذي عين وذائقة فنية أننا أمام ولادة شاعر سينمائي على شاكلة داود عبد السيد وخيري بشارة وعاطف الطيب ورضوان الكاشف، وغيرهم، غير أن ما تبدى في أعماله التي تلت مشروع تخرجه، وأعني بها الأعمال الاحترافية كمساعد مخرج على سبيل المثال في عدة أعمال، من بينها أفلام مثل ” شارع ١٨ وصباح الفل” أومسلسلات مثل “العندليب وملك روحي” لم يؤكد ذلك وحسب؛ بل تفوق على توقعات الكثيرين، وتنبأ له أساتذته وكبار المخرجين بعد رؤيتهم لبعض أعماله بأنه سيكون واحدا من ألمع المخرجين الذين يعيدون للصورة السينمائية الحقيقية حضورها، وحقق ماندو هذا بالفعل في أعمال درامية من إخراجه مثل “الداعية ولأعلى سعر، وأرض النفاق والخروج”

ولا غرو إن قلنا أن “ماندو العدل يفكر بالصورة أكثر من الكلام” وقد يقول قائل: وماذا في هذا؟! أليس ذلك ألف باء الإخراج؟! نعم ولكن ما تسمعه بعينيك ولاتراه فقط؛ وأنت في حضرة “صاحب المقام” على سبيل المثال، يكشف لك أن التفكير في الصورة وبالصورة لم يأت من خارج، لكنه يعيد تشكيل الكلام وماوراء الكلام والمفردات؛ ويستنطق صورتها الجوهرية، بل وما يدور في جوانيات الحالة والشخوص بصورة سينمائية أشبه بالقصيد السيمفوني الذي تعزفه كاميرا ماندو العدل ورؤيته الإخراجية المهيمنة فنيًا على العمل ككل.

ولو لم يكن ماندو يمتلك هذه الجوهرة أوالحاسة الجوانية لتوقف عند الرؤية القديمة للمخرج كمال عطية والأديب الراحل صبري موسى كاتب السيناريو في فيلم “قنديل أم هاشم” على سبيل المثال، أي الصراع بين العلم وبعض مظاهر الدين المتمثلة في تسلط أساطير المعتقدات الشعبية على عقول البشر، لدرجة أنها وصلت ليقين تام، ما جعل “إسماعيل” الطبيب العائد من الخارج ينصاع لما يؤمن به أهله رغم مايراه من خطل وخطر على الصحة والعقل والرؤية، ويتظاهر أمامهم أنه يعالج ابنة خاله فاطمة من كابوس فقد البصر بزيت القنديل، ولكنه يعطيها الأدوية سرًّا، ومع الوقت تماثلت خطيبتة للشفاء، ولم يعلم القارئ أوالمتفرج أهو زيت القنديل الذي شفاها أم الأدوية، أو تراهما الاثنين معاً. خاصة وأن الأديب الجواهرجي يحيى حقي صاحب الرواية الأصل اختار ببراعة أن تكون المريضة مهددة بفقد البصر أو الرؤية، ولاتعني البصر فقط بل البصيرة أيضًا في شتى مجالات الحياة وهذا التشوش هو مانعانيه حتى الآن.

غير أن الرؤية الفنية في فيلم “صاحب المقام” تجاوزت حتى المكتوب على الورق وغاصت في جوانيات الحالة كما أسلفت، وليس هناك أدل من دور”روح” وهو ما تفردت في أدائه النجمة الاستثنائية يسرا؛ هذا الأداء غير التقليدي هو الذي أعطى الفيلم بعدًا ثالثا ينأى به عن مناقشة الظاهر إلى نداءات الروح/الجواني في الإنسان، وكما قال ماندو العدل في أحد لقاءاته أن دور “روح” كان مكتوبًا لرجل/ذكر، غير أنه أقنع “عيسى” بتغييره إلى امرأة، وهذا بالطبع ما يحسب لماندو ورؤيته البعيدة التي تتجاوز المألوف الذي قد ينحصر في تراثنا الشعبي الصوفي في ذلك الرجل الصالح الذي يأتى في الرؤى والمنامات يرتدي “أبيض في أبيض” ووجهه يشع نورًا، وهو المشهد الذي تم استهلاكه شعبيًا وسينمائيًا، وكان ترسيخا للرؤية الذكورية في الفن والحياة. ولعل هذا ما يؤكد الرؤية الفكرية الفلسفية التي ينظر بها ماندو العدل إلى جوهر روح الحياة وليس مجرد ظواهرها العابرة.

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

امتدادات الزمن النفسي في إبداعات محمد حسن علوان

*   على غير نسق مسبق، وخلافًا لما تعارف عليه المهتمون بالرواية؛ إن متلقين أونقادًا وروائيي…