‫الرئيسية‬ الأخبار الرجل الذي لطم أردوغان وعصابته على الهواء
الأخبار - 7 سبتمبر، 2020

الرجل الذي لطم أردوغان وعصابته على الهواء

.. “هذه هي آخر حلقة أقدمها في هذه الإذاعة، حيث أنه لا يمكنني أن أعمل، أو أقيم في دولة تشن حاليًّا عدوانًا على بلادي، وتلقي بقنابلها على أهلي في مصر، ولتلك الأسباب أقدم استقالتي على الهواء، وسوف أعود إلى بلادي أقاتل بجانب أهلي، أعيش معهم، أو أموت معهم..”
هذه الرسالة/ الرصاصة أطلقها الفنان الكبير “محمود مرسي” حين كان يعمل بالقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وفور وقوع العدوان الثلاثي على مصر 1956، خرج على الهواء وألقى استقالته على الملأ؛ لا ليسمع العالم صوته فقط، بل لينصت العالم إلى صوت بلاده المعتدَى عليها.


ولأنها مصر، فإن كرْمها لا يخلو من نخلات باسقات وجميزات معمرات، تحمل طعم ورائحة المكان دومًا، لذا لم يكن عجيبًا أوغريبًا أن يتكرر المشهد- وإن كان مثار فخرٍ وعِزةٍ- بشكل يكاد يكون متطابق، وإن كان الأمر في مرته الثانية أكثر صعوبة مع الإعلامي المتميز نشأت الديهي، ولك أن تتفق أو تختلف حول بريطانيا المحتلة والاستعمارية وصاحبة وعد بلفور وأول من قام بتمويل جماعة حسن البنا ومؤسسة الوهابية في نجد والحجاز لتشغيلهما ضد مصر والعروبة والإنسانية دومًا، وغيرها من الكوارث في المنطقة العربية، وحتى الآن لا تزال بريطانيا ووريثتها أمريكا هي الراعي الرسمي للإرهاب والإرهابيين، إلا أن الراحل الكبير محمود مرسي وهو يفعل ويتخذ هذا الموقف وهو فوق أرضها، لم يكن ليتعرض لأي أذى، أو أن ميليشيات بريطانيا الإليكترونية ستشن عليه هجمات كلامية وغيرها من سخافات هذه الأيام.
فعلها الإعلامي المتمكن نشأت الديهي في قلب تركيا، وأعلن استقالته من قناة التركية محتجًا لا على سياسات عامة، بل ضد رئيس الدولة أردوغان وموقفه من مصر
فعلها الديهي بقلب مصري جسور، وبروح وطنية لا تأبه للعواقب، ولا متحسبًا لما سيطاله من شرار الناس وأوغادهم، لم يحتسب في قلبه سوى وطنه وضميره، وانتصرت الروح المصرية على صلافة أبناء يهود الدونما، وخدم الحديقة الخلفية لأوربا.
وكما فعلها مرسي على الهواء بإذاعة بي بي سي البريطانية، فعلها أيضًا الديهي على الهواء مباشرة من قلب استوديو القناة التركية، ولعل المشترك في الموقفين هو الحسّ الوطني والغيرة على التراب الوطني، والتضحية بأي مكاسب مادية مقابل هذا، واقرأ ما جاء في نص استقالة الديهي، ستجد أنه ونص استقالة العملاق محمود مرسي جوهرهما يكاد يكون واحدًا، فكلاهما ضد محتل ومعتدي ومغتصب للحق، ومناصر للإرهاب، إن قولاً أو بالفعل المادي، وهذا نص استقالة الديهي:
“تلاحظ مؤخرًا وجود تحوّل شامل في سياسة “تي آر تي” العربية”، حيث أصبحت بمثابة نشرة تعمل لحساب تنظيم الإخوان في مصر بشكل ممنهج ومخطط، وفي سبيلها لتحقيق ذلك لجأت القناة من خلال تغطياتها الإخبارية ونشراتها وبرامجها المختلفة إلى إظهار الإخوان علي أنهم ضحايا يتعرضون لمجازر من قِبَل الأجهزة الأمنية وذلك على خلاف الحقيقة تمامًا.
كما أن القناة تحاول– دون مبرر مفهوم– تغيير وتزييف الحقائق فيما يخص الشأن المصري بعرض جميع الآراء في اتجاه واحد؛ وهو اتجاه الإخوان دون إتاحة مساحة زمنية لعرض الرأي الآخر، لقد خالفت القناة كافة المعايير المهنية والقواعد الأخلاقية المتعارف عليها في نقل وتحليل الخبر.
بيد أن السياسة التحريرية للقناة التركية تمثل انعكاسًا كاملاً لسياسة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التي تنحاز لتنظيم الإخوان دون قراءة صحيحة للمشهد المصري، وتفتقد إلى أدنى درجات اللياقة السياسية والأعراف الدبلوماسية، كما أنها تتنافى مع قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي يحارب الفتن ما ظهر منها وما بطن، فأردوغان لا يترك فرصة ولا مناسبة إلا ويحاول أن يشعل الفتنة ويربك الموقف المصري من خلال تدخله المرفوض في الشئون الداخلية المصرية بتصريحاته وأفعاله التي لا تتوقف حيث قام بما يلي:
– طالب مجلس الأمن بالتدخل في الشأن المصري لإعادة مرسي للحكم
– ضغط علي دول الإتحاد الأوربي لفرض عقوبات علي مصر
– ادّعى علي غير الحقيقة أن المساجد في مصر تتعرض للهجوم وان المآذن تتعرض للهدم
– ادّعى- أيضًا- علي غير الحقيقة؛ أن هناك مذابح للراكعين وأخرى للساجدين تجري للإخوان
ــ تطاول على الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.
وللأسف الشديد تبنت القناة وجهة نظر رئيس حكومة تركيا نفسها، دون مراعاة أن هناك حقا أغفله أردوجان، وحقيقة أخفتها القناة التركية، وما يزيد الأسف أن كل ذلك تم ويتم عن عمد من كل الأطراف
لكل ما سبق؛ فإنني كإعلامي مصري مسلم ينصر الحق وينشر الحقيقة أرفض رفضًا قاطعًا سياسة قناة “تي آر تي” التركية و التي أصبحت مستهجنة من غالبية الشعب المصري، لذلك قررت أن أتوقف نهائيا عن العمل بالقناة بعدم تقديم برنامج ميدان السياسة وعدم الظهور علي أي من قنوات “تي آر تي” كمحلل سياسي وذلك اعتراضًا مني علي سياسة القناة التي تعكس سياسة رئيس الحكومة التركية بدلًا من أن تعكس الحق أو الحقيقة.” انتهى نص الاستقالة.

بهذه الحروف المضيئة، وليس ضياؤها هنا بمجازية القول، ولكنها مضيئة بل منيرة من قوة حرارتها الوطنية وصرختها في وجه الكَذَبة ومناصري الإرهابيين وسُرّاق الأوطان.
وعاد الديهي إلى وطنه مكرّمًا، ليس من حكومة أو دولة، بل كان التكريم الأكبر شعبيًّا من غالبية المصريين الذين يحسون قبل أن يعرفوا ما معنى الوطن، ويقدّرون أيما تقدير من يحملون وطنهم في قلوبهم حتى لو كانوا مغتربين، بل ويبجلون من يزود عن هذا الوطن مهما كان ما يناله من خسائر مادية أو غيرها وهو الأهم من ترصد الأوغاد به، وهجومهم المستمر ضده، وكما يقول كاتب سفر الجامعة” (ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه) فما بالك بمن يبيع العالم كله ويكسب وطنه وكرامته وشرفه وذاته أيضا!

ويستمر الديهي في رسالة نذر نفسه من أجلها، وهي معركة الوعي، فما احتقانه وانفعاله الزائد، سوى محاولة لإيصال المعلومة الصحيحة، كمضاد للشائعات التي يبثها خفافيش الظلام وكارهو الأوطان على الشبكة العنكبوتية وفي الفضائيات المأجورة وغيرها، وما حميته التي تبدو زائدة بنظر باردي القلب تجاه الوطن سوى محبة ودفاع عن هذا التراب تجاه من يمسه حتى ولو بكلمة هي بالطبع كاذبة
هذا هو نشأت الديهي أحد أبرز الإعلاميين في تاريخ مصر، ممن يمتلكون الموهبة ويصقلها دومًا بالمعرفة والإطلاع، وتحرى الصدق فيما يقدمه، لا تغريه الإثارة، ولكن يبيع نصف عمره من أجل معلومة تصحح أو تزيح الغبار والغثاء الذي يحاول المأجورون بثه في ذهن ومخيلة الشعب، وكم من صفعة وجهها الديهي للخونة والعملاء وأرزقية الممولين ممن ينتسبون للمجتمع المدني وما يسمى بدكاكين حقوق الإنسان، التي لا ترى هذا الإنسان وحقوقه سوى في القتلة والإرهابيين، ولا ترى أبدًا حقوق الشهداء وأسرهم من الشعب المصري مدنيين ورجال جيش وشرطة!

ولأنه بنقيضها تُعرفُ الأشياء، في مقابل العملاقين مرسي والديهي، ستجد أن هناك بعض الأقزام مثل معتز مطر ومحمد ناصر ، وقد سبقهم في سلك العمالة ومهاجمة الوطن خلال أواخر الخمسينيات والسبعينيات الممثل عبد الغني قمر، الذي لم يذكر له التاريخ سوى أنه كان خائنًا لوطنه، وفي التوقيت ذاته الذي استقال فيه محمود مرسي احتجاجًا على العدوان الثلاثي؛ عام 1956 شارك عبد الغني قمر في حملة الهجوم علي مصر من خلال عمله في إذاعة أنشأتها القوات البريطانية تسمى “صوت مصر الحرة” وتبث من قبرص، وأيضًا عقب معاهدة السلام سافر الي العراق في بدايات عهد صدام حسين وتم إنشاء إذاعة “مصر العروبة” التي تبث برامجها من بغداد، وترأّسها عبد الغني قمر لتهاجم مصر والحكومة المصرية وتنتقد بسخرية شخص السادات وزوجته وتصرفات الحكومة المصرية، ولكن لم يكن لها أي تأثير يذكر علي الشعب المصري، وتم إغلاق الإذاعة بعد ذلك، وجَبُنَ قمر أن يعود لمصر ومات خارج الوطن عام 1981، الأهم أن شقيقه الذي يصغره سنًا، ولكنه كان كبيرًا بوطنيته؛ وهو الشاعر المبدع بهجت قمر، وصفه بقسوة يستحقها بالطبع، حيث قال عنه: “عاش خائنًا لذلك فليس غريبًا أن يموت غريبًا”
ما أشبه اليوم بالبارحة فهذا مصير كل خائن لهث وراء الدولارات وباع وطنه.
ومن غرائب الأمور أن تجد أمثال عبد الغني قمر دخلوا التاريخ، ولكن من باب النفايات القذرة واستقر في مزبلته، هذه المزبلة التي لم تعد تتسع للخونة امثال معتز مطر ورفاقه الذين ساروا علي هذا الدرب الذي حتما يصل بهم لنفس النهاية .. عاشت مصر دومًا بالمخلصين من أبنائها وهم بالملايين، والموت للخونة في كل زمان ومكان

اترك تعليقاً

‫شاهد أيضًا‬

امتدادات الزمن النفسي في إبداعات محمد حسن علوان

*   على غير نسق مسبق، وخلافًا لما تعارف عليه المهتمون بالرواية؛ إن متلقين أونقادًا وروائيي…